القاهرة 23 فبراير شباط (رويترز) - اضطر محمد مصطفى مرسي الى
التسلل خارج منزله لينضم الى الاحتجاجات ضد الرئيس المصري المخلوع
حسني مبارك العام الماضي خشية أن يمنعه والداه اذا علموا الى اين
كان متجها.
بعد ذلك بساعات أردي الشاب الذي كان عمره 22 عاما قتيلا وهو
في طريقه الى ميدان التحرير مركز الاحتجاجات.
كان والد مرسي واحدا من بضع أفراد من عائلات القتلى الذين
سمح لهم بحضور وقائع محاكمة مبارك المتهم بإصدار أوامر بقتل
المتظاهرين الذين لقي نحو 850 منهم حتفهم خلال الانتفاضة.
في البداية كان متفائلا بأن تحقق "محاكمة القرن" العدالة لكنه
فقد الأمل تدريجيا بعد أن سمع ضابطا تلو الآخر يدلون بشهادات
مفادها أنه لم تصدر أوامر بإطلاق الرصاص.
وقال لرويترز خلال احدى الجلسات في سبتمبر ايلول قبل ان يتوقف
عن الحضور "لم أدفن ابني لأرى هؤلاء الكلاب يفلتون من العقاب."
حين مثل مبارك (83 عاما) امام المحكمة للمرة الأولى قال الكثير
من المدعين والمراقبين الذين لم يتصوروا قط أنه سيحاسب إن مصر
استعادت كرامتها. لكن كثيرين يرون أن المحاكمة التي كان ينبغي أن
تساعد في تضميد جروح الماضي أصبحت تمثل رمزا لكل ما لم يتغير.
وينزعج كثير من المصريين من أن التعجل في تقديم مبارك للعدالة
أدى الى محاكمته أمام نفس المؤسسات -الوزارات والشرطة والمحاكم- بل
بنفس القوانين التي استخدمتها تلك المؤسسات في عهده لحماية حكمه
المطلق الذي استمر 30 عاما.
ولم تنشيء مصر هيئة للحقيقة والمصالحة مثل اللجنة التي تشكلت في
جنوب افريقيا وساعدت في تضييق هوة الخلافات بعد فترة التمييز
العنصري كما يرى كثير من المواطنين أنها لم تحاسب المسؤولين السابقين
بشفافية من خلال محاكم ذات تفويض استثنائي مثلما حدث في دول
امريكا اللاتينية كالأرجنتين.
في الردهة المؤدية الى قاعة المحكمة التي كانت سابقا قاعة محاضرات
بأكاديمية الشرطة التي كان بعض المدعى عليهم اما طلبة او مدرسون
فيها ظلت صورة تضم أحد الضباط الذين يحاكمون الان معلقة على
الحائط.
كانت الأكاديمية حتى بضعة اشهر مضت تسمى أكاديمية مبارك.
وقال حسن ابو العينين وهو محام عن واحد من المدعين الذين
يتجاوز عددهم 400 إن هذا الوضع حدث لانه لا يمكن تغيير القوانين بين
عشية وضحاها. وأضاف أنه بعد الثورة كان ينبغي للثوار أن يصدروا
قرارا بإنشاء محاكم ثورية.
وتركز الغضب الشعبي على النائب العام الذي عينه مبارك والذي
لم يشمل الإصلاح مكتبه منذ الإطاحة بالرئيس. وأنحت النيابة في
مرافعتها باللائمة على وزارة الداخلية -وهي متهمة ومحققة في الوقت
نفسه في هذه القضية- لعدم تعاونها بتقديم الأدلة.
وقالت مها يوسف رئيسة قسم الشؤون القانونية بمركز النديم
لضحايا العنف إن مبارك يحاكم بقوانين هو الذي وضعها والقاضي مقيد
بالاحكام والأدلة القانونية.
ويوما بعد يوم يتبين أن هذه الأدلة أضعف مما كان يتمناه
كثيرون.
وأدلى اكثر من 1600 شخص بشهاداتهم امام النيابة قبل بدء
المحاكمة بدءا من أطباء وقعوا تقارير الطب الشرعي وانتهاء بمسؤولين
حكوميين وضحايا لأعمال العنف. واستدعت المحكمة تسعة أشخاص للشهادة
جميعهم من ضباط الشرطة باستثناء واحد.
ويقول محامون من الجانبين وخبراء إن ايا ممن استدعوا لم يقدموا
أدلة دامغة على إصدار أوامر بإطلاق النيران على المحتجين.
ويحاكم الى جانب مبارك وزير الداخلية الاسبق حبيب العادلي وستة
من مساعديه وكلهم متهمون بإصدار أوامر بقتل المتظاهرين.
كما يحاكم ابنا مبارك بعدد من الاتهامات بالفساد تنطوي على
إساءة استغلال النفوذ. لكن الكثير من المصريين كانوا يريدون أن
تتعامل المحاكمات مع مظاهر أخرى للظلم في حكم مبارك.
واستمع القاضي أحمد رفعت الذي ينظر قضية مبارك المتهم فيها
بالتآمر لقتل متظاهرين وبالفساد المالي الى المرافعات النهائية امس
الأربعاء وقال إنه حجز القضية للنطق بالحكم في جلسة الثاني من
يونيو حزيران المقبل. وطلبت النيابة حكم الإعدام لمبارك.
وفي بدايات المحاكمة قال اللواء حسين سعيد موسى أحد الشهود
للمحكمة إن محكمة أخرى أصدرت حكما ضده لإتلافه تسجيلات من غرفة
عمليات الشرطة خلال الانتفاضة التي استمرت 18 يوما. ويقول منتقدون
إن هذا يظهر كيف ساهمت أشهر من التباطؤ في إتلاف أدلة جوهرية.
وكان اللواء حسن عبد الحميد فرج مساعد اول وزير الداخلية
الذي حضر اجتماعا مع العادلي حين كان وزيرا وعدد من كبار الضباط
خلال الانتفاضة قد أشار في البداية الى أن زملاءه اتخذوا قرارا
بمواجهة المحتجين المسالمين بالعنف ووصف هذا بأنه "خطأ".
وقال للمحكمة في سبتمبر إن ذلك الاجتماع خرج بقرار لمنع المحتجين
من دخول ميدان التحرير ولو باستخدام القوة.
لكن عندما استجوبه المحامون أثناء المحاكمة نفى اتخاذ قرار
باستخدام الأسلحة النارية على الإطلاق.
وقال عصام البطاوي محامي العادلي إنه لا يوجد أي دليل يثبت
صدور أمر لضابط او جندي بفتح النيران على المحتجين.
كما حاول دفاع مبارك الدفع بعدم اختصاص المحكمة بمحاكمة مبارك
بناء على أنه لايزال رئيسا لمصر من الناحية الدستورية وبالتالي يجب
أن يحاكم امام محكمة خاصة.
وزخرت المحاكمة التي بدأت في أغسطس آب وامتدت حتى الشتاء
بالرمزية سواء للأحداث الدامية التي قادت الى تنحي مبارك او
للدولة المرهوبة التي لا تمس التي أقامها ولم تحل بعد.
وتحدى أهالي القتلى الظروف الجوية ليرددوا الهتافات خارج قاعة
المحكمة ورفع كثير منهم ملابس ابنائهم الملطخة بالدماء التي كانوا
يرتدونها حين قتلوا.
في الداخل يشغل ضباط شرطة معظم المقاعد ويدخن فريد الديب
محامي مبارك الشهير السيجار في فترات الاستراحة.
ويقضي مبارك فترة الحبس على ذمة القضية في مستشفى عسكري فخم
ويدخل قاعة المحكمة على سرير طبي وينقل الى المحاكمة بطائرة هليكوبتر
تحولت تكلفة وقودها الى محور غضب شعبي متزايد. ولا تقيد أيدي غيره من
المدعى عليهم بالأغلال ويرتدون دوما ملابس أنيقة.
واستدعت المحكمة عددا من أوثق مساعدي مبارك للشهادة في جلسة
مغلقة بينهم وزير دفاعه لعشرين عاما المشير محمد حسين طنطاوي الرجل
الذي يدير شؤون مصر منذ الإطاحة بمبارك العام الماضي. وتشير
تسريبات عن شهاداتهم الى أنها جاءت في صالح المتهمين.
وقال جابر جاد نصار استاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة
إن هناك معادلة إشكالية تتمثل في شعب في حالة ثورة وقيادة غير
راغبة في الثورة.
وأضاف أن المحاكمة لا تبتعد كثيرا عن هذه المظلة. وقال إن
القيادة غير الراغبة في الثورة اكتفت بردود أفعال حتى تنتقل من
يوم الى التالي.
ودافعت النيابة عن نفسها في مواجهة الانتقادات الجماهيرية التي
وجهت لسير القضية قائلة إنها كانت تعمل في ظل مهلة ضيقة جدا وتحت
ضغط شعبي هائل دون خيار سوى الاعتماد على الشرطة للقيام
بالاعتقالات وجمع الأدلة.
وقال المستشار مصطفى سليمان المحامي العام الأول لنيابة
استئناف القاهرة للمحكمة هذا الأسبوع إن الفضل في سير هذه القضية
وجمع الأدلة يرجع الى النيابة التي قامت بهذا في ظروف لم يسبق لها
مثيل.
وأضاف أن الأدلة قوية وحاسمة وانتقد مجددا عدم تعاون وزارة
الداخلية.
وبغض النظر عن الحكم فإنه سيستغرق أعواما قبل أن يصبح نهائيا
اذ سيستنفد محامو المدعى عليهم الطعون ليتركوا أقارب الضحايا مع
شعور بعدم الرضا لبعض الوقت.
وقال المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق إن
الثورات أحداث استثنائية في عمر الأمم وبالتالي لا يمكن التعامل مع
الظروف الاستثنائية بالوسائل القضائية العادية.
وضم مرسي والد محمد الذي قتل وهو في الثانية والعشرين من
عمره قبضته حين خطرت له فكرة أن تتم تبرئة مبارك وقال "يجب أن
يتحمل أحد المسؤولية عن موت ابني. سآخذ حقي بيدي."
د ز - أ ف (سيس)